هكذا كانت حياةُ النبيِّ محمدٍ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد.
إلى العاملين من أجل استئناف حياة إسلامية راشدة ..!
إلى الذين يحدوهم الأمل لغدٍ مُشرق ..!
إلى من يحرص على الارتواء من معين المصطفى الطاهر الذي لا ينضب عطاؤه وخيره!
إلى من ينشد الاقتداء بالنبي .. والسير على دربه ونهجه!
إلى الذين يسألون عن المنهج والطريق ..!
إلى الذين يفرقون بين السُّنَّة والسيرة .. فيأخذون بالسنة ويدعون العمل بالسيرة!
إلى الذين يزعمون أنهم سلفيون وأثريون .. وأنهم على نهج النبي وسنته .. وهم ليسوا كذلك ..!
إلى الذين يهون عليهم العيش في السهول .. وبين الحفر .. ويستصعبون العيش في الجبال .. والارتقاء إلى القمم العوالي ..!
إلى الذين يستثقلون النهوض بالواجب .. ويستعذبون الموت أحياء في المقابر الجماعية .. التي يعدها لهم الظالمون .. ويخشون الموت مقبلين غير مدبرين!
إلى الذين أصبحت العزة بالنسبة لهم حكايات وقصص تُروى عن الأجداد .. لا يعرفون من طعمها ولونها وواقعها شيء!
إلى هؤلاء جميعاً وغيرهم نقول: هكذا كانت حياة قائدنا .. وأسوتنا .. ومعلمنا .. النبي الهادي محمدٍ .. فهل أنتم مقتدون ومتبعون ؟!
لنلقِ جميعاً نظرة ـ ولو سريعة ـ على بعض جوانب حياة وسيرة هذا النبي العظيم .. كيف كانت وعلى أي نهج مضت .. لنستنبط منها الدروس والعبر .. ونقتفي الآثار .. ونسير على الطريق .. ونهتدي بنور سنته وسيرته .. وما أحوجنا لذلك وبخاصة في هذه الحقبة من الزمن التي تكالبت فيها أمم الكفر والإلحاد على أمة الإسلام.
في المرحلة المكية بعد أن أوحى الله تعالى إليه بالرسالة وأمره بالبلاغ .. نجد جهداً متواصلاً .. وحركة دؤوبة لا تعرف السكون ولا الكلل ولا الملل .. وقلقاً وهمَّاً .. وصدعاً بالحق .. وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر .. وتضحية وفداء .. وبلاغاً وإنذاراً .. وتحملاً شديداً لجميع صنوف
الأذى والبلاء .. وثباتاً فريداً على العقيدة والتوحيد والمبدأ .. صلوات ربي وسلامه عليه!
تُعرض عليه الدنيا وكل ما يمكن أن يصبو إليه مخلوق من ملك ومتاع .. لا من أجل أن يُمسك عن جانب الدعوة إلى الحق .. بل من أجل أن يُمسك عن تعرية باطلهم وشتم آلهتهم .. وأصنامهم .. وطواغيتهم .. لكن يأبى النبي إلا أن يصدع بالحق كاملاً كما أوحاه الله تعالى إليه .. ويأبى إلا أن يأطرهم إلى الحق كاملاً من غير انتقاصٍ ولا اجتزاء!
قالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا .. ووقع في آلهتنا .. فانهه عنا!
قال أبو طالب: يا محمد إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم!
فحلَّق رسول الله ببصره في السماء، فقال:" أترون هذه الشمس ؟" قالوا: نعم، قال:" فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تُشعلوا منها بشعلة "!!
قالوا: فرَّقت جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعبت ديننا وآلهتنا، وفضحتنا في العرب .. وكفّرت من مضى من آبائنا .. إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا .. وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش فنزوجك عشراً ..؟!
فقال رسول الله :" أفرغت "، فقال: نعم، فقرأ رسول الله : حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حتى بلغ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .
فقال عتبة بن ربيعة: حسبك ما عندك غير هذا ؟!
قال : لا!
هذا هو نبينا .. وهذا هو موقفه .. فأين دعاة الحفاظ على المصالح والمكاسب المزعومة من ذلك ـ وما أكثرهم في زماننا ـ ما إن يرمي لهم الطاغوت قليلاً من الفُتات .. والعظام المجردة عن لحومها .. إلا وتراهم يتمسكون بها ويعضون عليها بالنواجذ ويؤثرونها ـ كمكاسب ومصالح ـ على العقيدة .. والتوحيد .. والمبادئ الكلية لهذا الدين!
من أجل راتب شهري يتقاضونه من الطاغوت .. يسكتون عن بيان الحق .. ويُداهنون ويجاملون .. ويوالون!
ما أن يقترب الطاغوت منهم ذراعاً إلا ويقتربون منه مائة ذراع .. وما أن يُغازلهم بطرف من العين .. إلا ويُغازلونه بالعينين معاً .. وبالأشعار .. والمدائح .. وفنون الإطراء .. ثم هم بعد كل هذا الافتراء يقولون ـ ظلماً وعدواناً ـ: نحن سلفيون وأثريون .. وعلى نهج وسنة المصطفى
سائرون!!
لم يقتصر فعل المشركين وإجرامهم في الصد عن الحق .. وإيقاف الدعوة .. على المساومة والإغراء .. فهم ما إن تيقن لهم فشل المساومة وما عرضوه على النبي من إغراء ومتاع .. إلا ونفوسهم الخبيثة الأمارة بالسوء تحملهم على التجرؤ والتطاول بصنوف من العدوان والأذى والشر .. على سيد الخلق .. ظناً منهم أن ذلك قد يُجدي لهم مأرباً!!
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحِجر، فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم ..!
فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرَّ بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول ـ أي استهزأوا به مرددين بعض قوله وكلامه ـ قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ..!
فقال لهم:" تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح[ ]"، فأخذت القومَ كلمتُه، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ..!
قال: فانصرف رسول الله حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؛ كما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم ؟!
فيقول رسول الله :" نعم، أنا الذي أقول ذلك "!
قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه .. وقام أبو بكر الصديق دونه يقول وهو يبكي: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!
ومن حديث ربيعة بن عباد الديلي قال: رأيت رسول الله بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه ـ أي مزدحمون ـ إلا أن وراءه رجلاً أحول وضيء الوجه، ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب .. يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى .. فلا تسمعوا له ولا تتبعوه !!
قلت لأبي من هذا؟ قال: عمه أبو لهب!
ومن حديث ابن مسعود قال: بينما رسول الله يصلي عند البيت، وأبو جهل
وأصحاب له جلوس، وقد نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد!
فانبعث شقي القوم فأخذه، فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد، ما يرفع رأسه ...!
وفي رواية قال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها ـ أي كرشتها ـ فنكفئه على محمد ، فانطلق أشقاهم عقبة بن أبي معيط، فأتى به فألقاه على كتفيه، ورسول الله ساجد. قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي منعة تمنعني ..!
ومن حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: كان المشركون رفعوا في المسجد عمداً ليروا رسول الله وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ أقبل رسول الله فقاموا إليه بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وإن له لغدائر أربع، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟! فلَهَوا عن رسول الله وأقبلوا على أبي بكر ، قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام ..!
ومن حديث أنس بن ما لك قال: لقد ضربوا رسول الله مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!!
فقالوا: من هذا ؟! فقالوا: أبو بكر المجنون .. فتركوه وأقبلوا على أبي بكر!!
ومن حديث ابن عباس قال: توعد أبو معيط أن يأتي مجلس النبي ، فيبزق في وجهه، ويشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد النبيَّ أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال:" إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً ".
فلما كان يوم بدر خرج مع المشركين .. فأخذه رسول الله أسيراً في سبعين من قريش، وقُدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟! قال :" نعم، بما بزقت في وجهي "! فأنزل الله في أبي معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً .
وكذلك يوم أن قصد الطائف وعرض نفسه ودعوته على أشراف ثقيف .. ردوه أسوأ ردٍّ .. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائطٍ لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة ..!
هذا قليل من كثير مما تعرَّض له شخص النبي من أذى وبلاء في سبيل الله ـ فداه نفسي وأبي وأمي ـ فأين المقتدون المتبعون .. السائرون ؟!
أين الذين يتحدثون عن النصر والمجد .. والسنة والاتباع ..؟!!
يا أيها النائمون .. الواهمون .. الحالمون .. يا من ينشدون النصر والرفعة والمجد لهذا الدين من دون أن يهتز لهم بدن .. أو يقلق لهم بال .. أو يتلوث لهم ثوب .. أو يتعكر لهم مزاج .. أو ينتفخ لهم عرق أو يحمر لهم وجه .. ومن دون أن يتعرضوا لأي نوع من البلاء أو الأذى في الله .. أو يخسروا شيئاً مما يملكون وقد ألفته أنفسهم الضعيفة .. تحت زعم أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؛ ويريدون بذلك أن الكفر مستتب ومهيمن على البلاد والعباد لعن الله من أيقظه وتحرش به .. وسبب الأذى والبلاء للناس .. لهؤلاء وغيرهم نقول: هذا هو نبيكم فأين أنتم منه .. أين أنتم من سيرته وسنته وجهاده وتضحيته .. أيكم أعز وأشرف .. وأكرم .. أم أنكم تظنون أن هذا الدين كان سيصل إليكم وإلى من بعدكم من غير تضحية وجهاد وبلاء ..؟!
قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2. وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ محمد:31. يقولون بلسان القال وأحياناً بلسان الحال: نحن على السنة .. وسلفيون وأثريون .. ومن أهل الاتباع لا الابتداع .. لكن لا نريد ولا نحب أن نفعل كما فعل محمد .. لا نريد أن نجهر بالحق في وجوه الطغاة الظالمين كما فعل محمد .. لا نريد أن نفاصل الطواغيت .. ونكفرهم .. ونكفر بهم .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نجاهد الشرك والمشركين .. ونظهر البراء من آلهتهم وطواغيتهم .. ونضحي في سبيل ذلك .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نُبتلى في الله .. ونرتكب حماقات مع الطواغيت .. لا قِبَل لنا بها .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نصدع بالحق كاملاً كما كان يفعل محمد .. لا بد من مداهنة الطواغيت الظالمين ومداراتهم ومجاملتهم .. وهذه هي الحكمة .. بخلاف ما كان عليه محمد .. نحن من ورثة النبي محمدٍ .. لكن في الحفظ والعلم .. لا في العمل والجهاد والتضحية والبلاء .. والصدع بالحق .. أولوياتنا الكروش .. ثم الفلوس .. ثم الجاه والشرف .. ثم الحفاظ على النساء والبنين .. ثم الدين .. بخلاف ما كان عليه سيد الأنبياء والمرسلين .. نحن نحب محمداً لكن لا نريد أن يُصيبنا من البلاء والأذى في الله ما أصاب محمداً .. صلوات ربي وسلامه عليه!
وهؤلاء لم يحققوا الاتباع ولا الاقتداء .. وهم ليسوا بسنيين ولا سلفيين .. وإنما هم كذابون دجالون .. يقتاتون بالانتساب إلى السنة كما يقتات اللصوص مما لا يملكون .. وإن زعموا بلسانهم ألف مرة أنهم من أتباع محمدٍ .. وأنهم على سنته ونهجه .. فلسان حالهم وواقعهم يكذبهم وهو أصدق تعبيراً وبياناً من لسانهم الذي بين لحييهم!
قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:31. فَاتَّبِعُونِي في كل ما أنا عليه .. وليس في بعض دون بعض .. أو في جانبٍ دون جانب .. وإلا فإن زعمكم ثقيل وباطل!
أتى رجل إلى النبي فقال: والله يا رسول الله إني أحبك، فقال له رسول الله :" إن البلايا أسرع إلى من يُحبني من السيل إلى منتهاه " هذه هي علامة صدق المحبة إن كنت صادقاً في دعواك .. وإلا لا تدعي ولا تستشرف ما ليس فيك!
هذه بعض جوانب العطاء والثبات والجهاد من سيرة وحياة المصطفى في المرحلة المكية .. فكيف كانت حياته في المرحلة المدنية بعد الهجرة ..؟!
ما إن استقر المقام في المدينة المنورة .. ونزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الحج:39. إلا وبدأ عهد جديد من الجهاد والغزو والقتال .. لا يعرف الهدوء ولا التوقف ولا الكلل.
في صفر على رأس اثني عشر شهراً من الهجرة يقود النبي بنفسه غزوة الأبواء ..!
وعلى رأس ثلاثة عشر شهراً من مهاجره يقود بنفسه غزوة بواط ..!
ثم أتبع غزوة البواط بغزوة العشيرة .. قال البخاري:" قال ابن إسحاق أول ما غزا رسول الله الأبواء ثم بواط ثم العشيرة ".
وقبل ذلك يُرسل سريتين: سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من جهينة .. وسرية بقيادة عبيدة بن الحارث ..!
وبعد غزوة العشيرة يخرج بنفسه لطلب كرز بن جابر الفهري، وكان قد أغار على سرح المدينة .. وهي غزوة بدر الأولى!
وفي رجب من السنة الثانية للهجرة يُرسل سرية عبد الله بن جحش .. التي كانت سبباً لغزوة بدر الكبرى!
وفي رمضان من نفس السنة .. يقود النبي بنفسه غزوة بدر الكبرى أنعم وأعظم بها من غزوة .. قال علي بن أبي طالب :" لقد رأيتنا يوم بدر ونحن برسول الله ـ أي نحتمي ـ وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ باساً " .. الله أكبر!
ومن حديث أنس قال: فانطلق رسول الله وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ، وجاء المشركون، فقال رسول الله :" لا يقومنّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه ".
وفي شوال من نفس السنة .. وبعد غزوة بدر الكبرى بأيامٍ .. يقود النبي بنفسه غزوة بني سليم ..!ش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد.
إلى العاملين من أجل استئناف حياة إسلامية راشدة ..!
إلى الذين يحدوهم الأمل لغدٍ مُشرق ..!
إلى من يحرص على الارتواء من معين المصطفى الطاهر الذي لا ينضب عطاؤه وخيره!
إلى من ينشد الاقتداء بالنبي .. والسير على دربه ونهجه!
إلى الذين يسألون عن المنهج والطريق ..!
إلى الذين يفرقون بين السُّنَّة والسيرة .. فيأخذون بالسنة ويدعون العمل بالسيرة!
إلى الذين يزعمون أنهم سلفيون وأثريون .. وأنهم على نهج النبي وسنته .. وهم ليسوا كذلك ..!
إلى الذين يهون عليهم العيش في السهول .. وبين الحفر .. ويستصعبون العيش في الجبال .. والارتقاء إلى القمم العوالي ..!
إلى الذين يستثقلون النهوض بالواجب .. ويستعذبون الموت أحياء في المقابر الجماعية .. التي يعدها لهم الظالمون .. ويخشون الموت مقبلين غير مدبرين!
إلى الذين أصبحت العزة بالنسبة لهم حكايات وقصص تُروى عن الأجداد .. لا يعرفون من طعمها ولونها وواقعها شيء!
إلى هؤلاء جميعاً وغيرهم نقول: هكذا كانت حياة قائدنا .. وأسوتنا .. ومعلمنا .. النبي الهادي محمدٍ .. فهل أنتم مقتدون ومتبعون ؟!
لنلقِ جميعاً نظرة ـ ولو سريعة ـ على بعض جوانب حياة وسيرة هذا النبي العظيم .. كيف كانت وعلى أي نهج مضت .. لنستنبط منها الدروس والعبر .. ونقتفي الآثار .. ونسير على الطريق .. ونهتدي بنور سنته وسيرته .. وما أحوجنا لذلك وبخاصة في هذه الحقبة من الزمن التي تكالبت فيها أمم الكفر والإلحاد على أمة الإسلام.
في المرحلة المكية بعد أن أوحى الله تعالى إليه بالرسالة وأمره بالبلاغ .. نجد جهداً متواصلاً .. وحركة دؤوبة لا تعرف السكون ولا الكلل ولا الملل .. وقلقاً وهمَّاً .. وصدعاً بالحق .. وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر .. وتضحية وفداء .. وبلاغاً وإنذاراً .. وتحملاً شديداً لجميع صنوف
الأذى والبلاء .. وثباتاً فريداً على العقيدة والتوحيد والمبدأ .. صلوات ربي وسلامه عليه!
تُعرض عليه الدنيا وكل ما يمكن أن يصبو إليه مخلوق من ملك ومتاع .. لا من أجل أن يُمسك عن جانب الدعوة إلى الحق .. بل من أجل أن يُمسك عن تعرية باطلهم وشتم آلهتهم .. وأصنامهم .. وطواغيتهم .. لكن يأبى النبي إلا أن يصدع بالحق كاملاً كما أوحاه الله تعالى إليه .. ويأبى إلا أن يأطرهم إلى الحق كاملاً من غير انتقاصٍ ولا اجتزاء!
قالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا .. ووقع في آلهتنا .. فانهه عنا!
قال أبو طالب: يا محمد إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم!
فحلَّق رسول الله ببصره في السماء، فقال:" أترون هذه الشمس ؟" قالوا: نعم، قال:" فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تُشعلوا منها بشعلة "!!
قالوا: فرَّقت جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعبت ديننا وآلهتنا، وفضحتنا في العرب .. وكفّرت من مضى من آبائنا .. إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا .. وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش فنزوجك عشراً ..؟!
فقال رسول الله :" أفرغت "، فقال: نعم، فقرأ رسول الله : حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حتى بلغ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .
فقال عتبة بن ربيعة: حسبك ما عندك غير هذا ؟!
قال : لا!
هذا هو نبينا .. وهذا هو موقفه .. فأين دعاة الحفاظ على المصالح والمكاسب المزعومة من ذلك ـ وما أكثرهم في زماننا ـ ما إن يرمي لهم الطاغوت قليلاً من الفُتات .. والعظام المجردة عن لحومها .. إلا وتراهم يتمسكون بها ويعضون عليها بالنواجذ ويؤثرونها ـ كمكاسب ومصالح ـ على العقيدة .. والتوحيد .. والمبادئ الكلية لهذا الدين!
من أجل راتب شهري يتقاضونه من الطاغوت .. يسكتون عن بيان الحق .. ويُداهنون ويجاملون .. ويوالون!
ما أن يقترب الطاغوت منهم ذراعاً إلا ويقتربون منه مائة ذراع .. وما أن يُغازلهم بطرف من العين .. إلا ويُغازلونه بالعينين معاً .. وبالأشعار .. والمدائح .. وفنون الإطراء .. ثم هم بعد كل هذا الافتراء يقولون ـ ظلماً وعدواناً ـ: نحن سلفيون وأثريون .. وعلى نهج وسنة المصطفى
سائرون!!
لم يقتصر فعل المشركين وإجرامهم في الصد عن الحق .. وإيقاف الدعوة .. على المساومة والإغراء .. فهم ما إن تيقن لهم فشل المساومة وما عرضوه على النبي من إغراء ومتاع .. إلا ونفوسهم الخبيثة الأمارة بالسوء تحملهم على التجرؤ والتطاول بصنوف من العدوان والأذى والشر .. على سيد الخلق .. ظناً منهم أن ذلك قد يُجدي لهم مأرباً!!
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحِجر، فذكروا رسول الله فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم ..!
فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرَّ بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول ـ أي استهزأوا به مرددين بعض قوله وكلامه ـ قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ..!
فقال لهم:" تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح[ ]"، فأخذت القومَ كلمتُه، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ..!
قال: فانصرف رسول الله حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؛ كما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم ؟!
فيقول رسول الله :" نعم، أنا الذي أقول ذلك "!
قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه .. وقام أبو بكر الصديق دونه يقول وهو يبكي: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!
ومن حديث ربيعة بن عباد الديلي قال: رأيت رسول الله بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه ـ أي مزدحمون ـ إلا أن وراءه رجلاً أحول وضيء الوجه، ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب .. يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى .. فلا تسمعوا له ولا تتبعوه !!
قلت لأبي من هذا؟ قال: عمه أبو لهب!
ومن حديث ابن مسعود قال: بينما رسول الله يصلي عند البيت، وأبو جهل
وأصحاب له جلوس، وقد نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد!
فانبعث شقي القوم فأخذه، فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد، ما يرفع رأسه ...!
وفي رواية قال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها ـ أي كرشتها ـ فنكفئه على محمد ، فانطلق أشقاهم عقبة بن أبي معيط، فأتى به فألقاه على كتفيه، ورسول الله ساجد. قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي منعة تمنعني ..!
ومن حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: كان المشركون رفعوا في المسجد عمداً ليروا رسول الله وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ أقبل رسول الله فقاموا إليه بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا وإن له لغدائر أربع، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟! فلَهَوا عن رسول الله وأقبلوا على أبي بكر ، قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام ..!
ومن حديث أنس بن ما لك قال: لقد ضربوا رسول الله مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟!!
فقالوا: من هذا ؟! فقالوا: أبو بكر المجنون .. فتركوه وأقبلوا على أبي بكر!!
ومن حديث ابن عباس قال: توعد أبو معيط أن يأتي مجلس النبي ، فيبزق في وجهه، ويشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل، فلم يزد النبيَّ أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال:" إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً ".
فلما كان يوم بدر خرج مع المشركين .. فأخذه رسول الله أسيراً في سبعين من قريش، وقُدم إليه أبو معيط، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟! قال :" نعم، بما بزقت في وجهي "! فأنزل الله في أبي معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً .
وكذلك يوم أن قصد الطائف وعرض نفسه ودعوته على أشراف ثقيف .. ردوه أسوأ ردٍّ .. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائطٍ لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة ..!
هذا قليل من كثير مما تعرَّض له شخص النبي من أذى وبلاء في سبيل الله ـ فداه نفسي وأبي وأمي ـ فأين المقتدون المتبعون .. السائرون ؟!
أين الذين يتحدثون عن النصر والمجد .. والسنة والاتباع ..؟!!
يا أيها النائمون .. الواهمون .. الحالمون .. يا من ينشدون النصر والرفعة والمجد لهذا الدين من دون أن يهتز لهم بدن .. أو يقلق لهم بال .. أو يتلوث لهم ثوب .. أو يتعكر لهم مزاج .. أو ينتفخ لهم عرق أو يحمر لهم وجه .. ومن دون أن يتعرضوا لأي نوع من البلاء أو الأذى في الله .. أو يخسروا شيئاً مما يملكون وقد ألفته أنفسهم الضعيفة .. تحت زعم أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؛ ويريدون بذلك أن الكفر مستتب ومهيمن على البلاد والعباد لعن الله من أيقظه وتحرش به .. وسبب الأذى والبلاء للناس .. لهؤلاء وغيرهم نقول: هذا هو نبيكم فأين أنتم منه .. أين أنتم من سيرته وسنته وجهاده وتضحيته .. أيكم أعز وأشرف .. وأكرم .. أم أنكم تظنون أن هذا الدين كان سيصل إليكم وإلى من بعدكم من غير تضحية وجهاد وبلاء ..؟!
قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2. وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ محمد:31. يقولون بلسان القال وأحياناً بلسان الحال: نحن على السنة .. وسلفيون وأثريون .. ومن أهل الاتباع لا الابتداع .. لكن لا نريد ولا نحب أن نفعل كما فعل محمد .. لا نريد أن نجهر بالحق في وجوه الطغاة الظالمين كما فعل محمد .. لا نريد أن نفاصل الطواغيت .. ونكفرهم .. ونكفر بهم .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نجاهد الشرك والمشركين .. ونظهر البراء من آلهتهم وطواغيتهم .. ونضحي في سبيل ذلك .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نُبتلى في الله .. ونرتكب حماقات مع الطواغيت .. لا قِبَل لنا بها .. كما كان يفعل محمد .. لا نريد أن نصدع بالحق كاملاً كما كان يفعل محمد .. لا بد من مداهنة الطواغيت الظالمين ومداراتهم ومجاملتهم .. وهذه هي الحكمة .. بخلاف ما كان عليه محمد .. نحن من ورثة النبي محمدٍ .. لكن في الحفظ والعلم .. لا في العمل والجهاد والتضحية والبلاء .. والصدع بالحق .. أولوياتنا الكروش .. ثم الفلوس .. ثم الجاه والشرف .. ثم الحفاظ على النساء والبنين .. ثم الدين .. بخلاف ما كان عليه سيد الأنبياء والمرسلين .. نحن نحب محمداً لكن لا نريد أن يُصيبنا من البلاء والأذى في الله ما أصاب محمداً .. صلوات ربي وسلامه عليه!
وهؤلاء لم يحققوا الاتباع ولا الاقتداء .. وهم ليسوا بسنيين ولا سلفيين .. وإنما هم كذابون دجالون .. يقتاتون بالانتساب إلى السنة كما يقتات اللصوص مما لا يملكون .. وإن زعموا بلسانهم ألف مرة أنهم من أتباع محمدٍ .. وأنهم على سنته ونهجه .. فلسان حالهم وواقعهم يكذبهم وهو أصدق تعبيراً وبياناً من لسانهم الذي بين لحييهم!
قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:31. فَاتَّبِعُونِي في كل ما أنا عليه .. وليس في بعض دون بعض .. أو في جانبٍ دون جانب .. وإلا فإن زعمكم ثقيل وباطل!
أتى رجل إلى النبي فقال: والله يا رسول الله إني أحبك، فقال له رسول الله :" إن البلايا أسرع إلى من يُحبني من السيل إلى منتهاه " هذه هي علامة صدق المحبة إن كنت صادقاً في دعواك .. وإلا لا تدعي ولا تستشرف ما ليس فيك!
هذه بعض جوانب العطاء والثبات والجهاد من سيرة وحياة المصطفى في المرحلة المكية .. فكيف كانت حياته في المرحلة المدنية بعد الهجرة ..؟!
ما إن استقر المقام في المدينة المنورة .. ونزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الحج:39. إلا وبدأ عهد جديد من الجهاد والغزو والقتال .. لا يعرف الهدوء ولا التوقف ولا الكلل.
في صفر على رأس اثني عشر شهراً من الهجرة يقود النبي بنفسه غزوة الأبواء ..!
وعلى رأس ثلاثة عشر شهراً من مهاجره يقود بنفسه غزوة بواط ..!
ثم أتبع غزوة البواط بغزوة العشيرة .. قال البخاري:" قال ابن إسحاق أول ما غزا رسول الله الأبواء ثم بواط ثم العشيرة ".
وقبل ذلك يُرسل سريتين: سرية بقيادة حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من جهينة .. وسرية بقيادة عبيدة بن الحارث ..!
وبعد غزوة العشيرة يخرج بنفسه لطلب كرز بن جابر الفهري، وكان قد أغار على سرح المدينة .. وهي غزوة بدر الأولى!
وفي رجب من السنة الثانية للهجرة يُرسل سرية عبد الله بن جحش .. التي كانت سبباً لغزوة بدر الكبرى!
وفي رمضان من نفس السنة .. يقود النبي بنفسه غزوة بدر الكبرى أنعم وأعظم بها من غزوة .. قال علي بن أبي طالب :" لقد رأيتنا يوم بدر ونحن برسول الله ـ أي نحتمي ـ وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ باساً " .. الله أكبر!
ومن حديث أنس قال: فانطلق رسول الله وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ، وجاء المشركون، فقال رسول الله :" لا يقومنّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه ".
وفي شوال من نفس السنة .. وبعد غزوة بدر الكبرى بأيامٍ .. يقود النبي بنفسه غزوة بني سليم ..!ش
تعليقات
إرسال تعليق