التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أثينا


أثينا عاصمة اليونان ومن أشهر المدن التاريخية في العالم. عدد سكانها 748,110 نسمة وعدد سكان أثينا الكبرى 3,096,775 نسمة. صارت عاصمةً لليونان عام 1834م بعد أن حرر الإغريق أنفسهم من الحكم التركي. ولكن شهرتها ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد عندما كانت أقوى وأكثر المدن تحضرًا في العالم، واسمها بالإغريقية أثيناي .

تقع أثينا على سهل قرب النهاية الجنوبية لشبه جزيرة أتيكا التي تمتد من الجنوب الشرقي لليونان إلى بحر إيجة، ويحد أثينا هلال من الجبال التي يبلغ ارتفاعها 1,400م من جهة الغرب والشمال والشرق، وتبعد نحو ثمانية كيلومترات عن بيرايوس (بيريه) أكبر موانئ اليونان.

لم يكن في أثينا سوى عدة آلاف من السكان عندما استقلت اليونان. وبدأت أثينا الحديثة بحكم الملك الألماني البافاري أوتو الأول الذي كان أول ملك لمملكة اليونان الحديثة. وأثناء فترة حكمه التي امتدت من عام 1832 إلى 1862م، وبموجب توجيهاته بنى المعماريون الألمان أثينا الحديثة.

أما أثينا القديمة فقد كانت المركز الثقافي الرائد في العالم الإغريقي، ففيها عاش معظم الكتاب الإغريق المبدعين الذين ألَّفوا في الفن المسرحي والتاريخ والشعر والفلسفة وقد ظل أثرها باقيًا على الآداب والعلوم حتى اليوم. فمن روائييهم المشهورين إيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس، ومن كتاب الكوميديا أريسطوفانيس، ومن الفلاسفة سقراط وأفلاطون، ومن المؤرخين ثيوسيديدس ومن الخطباء ديموسثينيس، ومنها أيضًا المعماريون أمثال فيدياس وغيره من المعماريين الذين بنوا الروائع الفنية الكلاسيكية التي ظلت آثارها باقية حتى اليوم. كما أن ديمقراطية أثينا كانت مثالاً استقى منه صانعو القوانين الكثير، وظلت مصدر وحي لهم لعهود طويلة.

ولعل كل هذا هو الذي جعل بيركليس، أحد ساسة أثينا المحنكين يسميها مدرسة اليونان . والواقع أن أثينا كانت أكثر من ذلك؛ فقد كانت، من أوجه كثيرة، المكان الذي وُلدت فيه الحضارة الغربية.


ميدان سينتاجما المركز الإداري في مدينة أثينا العصرية. يظهر مبنى البرلمان في خلفية الصورة على اليمين، وهو يطل على جانب واحد من ميدان سينتاجما. كما يحد الميدان أيضًا مكاتب الدولة
.



أما أثينا القديمة فقد كانت المركز الثقافي الرائد في العالم الإغريقي، ففيها عاش معظم الكتاب الإغريق المبدعين الذين ألَّفوا في الفن المسرحي والتاريخ والشعر والفلسفة وقد ظل أثرها باقيًا على الآداب والعلوم حتى اليوم. فمن روائييهم المشهورين إيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس، ومن كتاب الكوميديا أريسطوفانيس، ومن الفلاسفة سقراط وأفلاطون، ومن المؤرخين ثيوسيديدس ومن الخطباء ديموسثينيس، ومنها أيضًا المعماريون أمثال فيدياس وغيره من المعماريين الذين بنوا الروائع الفنية الكلاسيكية التي ظلت آثارها باقية حتى اليوم. كما أن ديمقراطية أثينا كانت مثالاً استقى منه صانعو القوانين الكثير، وظلت مصدر وحي لهم لعهود طويلة.

ولعل كل هذا هو الذي جعل بيركليس، أحد ساسة أثينا المحنكين يسميها مدرسة اليونان . والواقع أن أثينا كانت أكثر من ذلك؛ فقد كانت، من أوجه كثيرة، المكان الذي وُلدت فيه الحضارة الغربية.


أثينا الحديثة

المعالم. تتمركز الحياة في مدينة أثينا الحديثة حول ثلاثة ميادين رئيسية هي ميدان سينتاجما وميدان أُمونويا، وميدان موناسترياكي. ويشكل ميدان سينتاجما ـ الذي يُعرف أيضًا باسم الميدان الدستوري ـ المركز الإداري للمدينة. وهو مواجه لمبنى البرلمان (القصر الملكي سابقًا)، والذي أعلن من شرفته دستور أثينا عام 1843م. ويحرس هذا المبنى، ونصب الجندي المجهول، مجموعة مخصوصة من الجند، تسمى إفزونز، يرتدون زيًا تقليديًا زاهي الألوان، وتقف مباني الفنادق والمكاتب في مواجهة الميدان أيضًا.

أما ميدان أُمونويا ـ ويعرف أحيانًا بميدان الكونكورد ـ فيقع على بعد كيلو متر واحد شمال غربي ميدان سينتاجما، وتفصل بين الميدانين منطقة السوق والمحال التجارية والمطاعم. كما أن الشوارع الرئيسية وخطوط المركبات العامة تتفرع من ميدان أمونيا.

وإلى الجنوب من هذا الميدان يقع ميدان مونا سترياكي ـ وهو قلب منطقة السوق القديم ـ ويحيط به عدد كبير من الحوانيت الصغيرة، وأماكن البيع المكشوفة ومحلات بيع الصحف، وإلى الشرق منه توجد منطقة بلاكا التي يرجع تاريخها إلى عهد حكم تركيا لليونان، حيث كانت أثينا آنذاك قرية صغيرة، ولازالت هذه المنطقة تحمل سمات ذلك العهد التركي، التي تبدو في شوارعها الحجرية المتعرجة، وحوانيتها الصغيرة ومقاهيها الكثيرة.

يرتفع في الشمال الشرقي من أثينا جبل ليكابتس، وهو ذو شكل مخروطي، ويبلغ ارتفاعه نحو 280م، ويمكن رؤية كل المدينة من أعلاه، وإلى جنوبه توجد المنطقة السكنية الراقية المسماة كولوناكي.

ويقع تل أكروبولس الكبير المنبسط في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة، وقد كان المركز الأصلي للحياة في أثينا القديمة. وتوجد فيه عدة آثار تاريخية، مثل الأرخثيوم والبارثينون والبروبيليا ومعبد أثينا نايك، وآثار أخرى تذكر بماضٍ زاهر.


السكان. أثينا مركز اليونان الثقافي، ويعيش فيها عدد كبير من الناس، كما يزورها كثير من الأجانب، الأمر الذي يضفي عليها جوًا من العالمية، ويجعل حياتها أكثر عصرية من أي مدينة يونانية أخرى. ويعمل معظم سكانها الأجانب إما في سفارات بلادهم، أو في شركات تجارية، أو مؤسسات تعليمية.

ويتبع معظم أهل أثينا ـ مثلهم مثل 95% من سكان اليونان ـ الكنيسة الأرثوذكسية الإغريقية. وفي أثينا عدد كبير من الكنائس، أكبرها الكاتدرائية التي بُدئ في بنائها عام 1840م، وأُكمل عام 1855م. وهناك أيضًا كنيسة القديس نكوديمس التي يرجع تاريخها إلى القرن الحادي عشر الميلادي.

يشبه طعام أهل أثينا أطعمة مناطق شرقي البحر الأبيض المتوسط. وهو يتكون عادة من لحم الضأن المطبوخ بطرق عدة، وكذلك أنواع كثيرة من السمك والمأكولات البحرية. ومن أطعمتهم المميزة الفيتا، وهي جبن مصنوع من لبن الأغنام أو الماعز، ومخلوط بشيء من الخمر الممزوج بمادة صمغية.

ومعظم أهل أثينا يعيشون في شقق صغيرة، أو منازل رخيصة. ويملك الكثير منهم سيارات في حين أن البعض الآخر يستعمل وسائل المواصلات العامة، كالمركبات العامة وقطارات الأنفاق التي تربط أثينا بمنطقة بيرايوس.


التعليم والحياة الثقافية. في أثينا عدد كبير من المدارس الحكومية، ومؤسسات التعليم العالي. فبجامعة أثينا التي أنشئت عام 1837م، كليات للقانون والطب والفلسفة واللاهوت والرياضيات والعلوم الطبيعية. وهناك جامعة أخرى، هي الجامعة التقنية التي يدرس طلابها الهندسة والعلوم الأخرى التي لا تدرس في جامعة أثينا. وإلى جوار الجامعة التقنية يقع المتحف الأثري الوطني وهو واحد من أكبر المتاحف في العالم. ويحوي روائع فنية من المجوهرات والخزف وفن النحت، ويمثل كل عصور اليونان، خاصة عصرها القديم. وهناك متاحف أخرى في أثينا، منها متحف بناكي، ويحوي أعمالاً فنية من عصور اليونان الوسطى والحديثة، وكذلك متحف أكروبولس والمتحف البيزنطي.

وقد اكتسبت مدارس علم الآثار في أثينا شهرة عالمية، ومن أشهرها المدرسة الأمريكية للدراسات الكلاسيكية، والمدرسة البريطانية للآثار، وقد أنشئتا في الثمانينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، وتقومان بالحفريات، وتدريب طلاب علم الآثار.


الاقتصاد. أثينا هي المركز الاقتصادي والمالي لليونان، وبها عدة مصانع تقوم بإنتاج الإسمنت والكيميائيات والملابس والمنتجات الغذائية والبترولية والسفن والنسيج وغيرها. وهناك صناعات يدوية مثل فن نقش المجوهرات وأعمال النحاس الأصفر والأحمر، وصناعات أخرى مفضلة لدى السياح. فالسياحة تؤدي دورًا مهمًا في اقتصادها، إذ ينعم السياح والزوار بحوانيتها ومطاعمها ومقاهيها الكثيرة.


متجر للأزهار في قلب أثينا يعرض في واجهته باقات من الأزهار الرائعة الألوان. تنتشر أسواق الهواء الطلق في أرجاء أثينا، مركز اليونان التجاري. تقع أكثر مناطق التسويق رواجًا في القطاع الشمالي الغربي من المدينة.




المدينة القديمة



أطلال أثينا القديمة تنتصب بين المباني العصرية في جنوب غربي المدينة. توجد بقايا من أطلال هيكل الإلاهة أثينا - في عقيدة اليونان - وهياكل أخرى فوق تل أكروبولس، (خلفية الصورة). وقد تبقى ستة عشر عمودًا من هيكل زيوس الأوليمبي، (مقدمة الصورة).


الأكروبولس ومبانيه. بنى قدماء الإغريق أثينا على تل صخري ذي قمة منبسطة واسعة تزيد مساحته على الأربعة هكتارات بقليل، وهو التل المعروف باسم أكروبولس ـ ويعني المدينة العالية. وقد عاش حكام أثينا القدماء على هذا التل ربما لسهولة الدفاع عنه. وقد بنى أهل أثينا القدامى على هذا التل المعابد والمباني العامة، وهو الآن مهجور، لا يعيش فيه أحد.

وهناك بقايا لسور قديم، وأسوار أكبر حوله، وكان أهل أثينا قد بنوها حول الأكروبولس ما بين القرنين الثالث عشر والخامس قبل الميلاد. وقد بنوا عليه أيضًا معبدًا وهبوه لأثينا، الإلاهة الراعية للمدينة، وظل هذا المعبد أكبر معابدها حتى وقت استيلاء الفرس عليها عام 480ق.م، وقيامهم بتحطيم معظم المباني القائمة على تل أكروبولس. وفي عام 447ق.م قام أهل أثينا تحت قيادة أحد ساستها المحنكين بيركليس، بإعادة بناء الأكروبولس، وإضافة مبان جديدة عليه مثل مبنى معبد البارثينون الفاخر المشاد من المرمر، والمُهدى إلى الإلاهة أثينا. كما بدأ بيركليس بناء اليروبيليا، وهو مدخل ضخم للأكروبولس ولكن بناءه الذي أعاقته الحرب البيلوبوينزية لم يكتمل أبدًا، وإلى يمين هذا البناء يقف معبد أثينا نايك. وعلى بعد 55م من البارثينون يقع معبد أرخثيوم، الذي أتم أهل أثينا بناءه عام 400ق.م تقريبًا، وأهدوه إلى معبودتهم أثينا، وإلى الإله بوسيدون، وإلى الملك أرخثيوس أحد ملوك أثينا الخرافيين القدامى. ويتميز هذا المعبد ببهوه الجنوبي الذي تقوم فيه ستة أعمدة مبنية على شكل عذارى يحملن سقفه. وقد حُولت هذه الأعمدة في الثمانينيات من القرن العشرين إلى متحف الأكروبولس، خوفًا عليها من عوامل تلوث الهواء، ووضعت مكانها أعمدة مشابهة لها مصنوعة من الإسمنت، على صورة تلك الأعمدة الأصلية، انظر: النحت.


مبانٍ أخرى. إلى الجنوب الشرقي من الأكروبولس يقع مسرح ديونيسوس الذي كان الروائيون الإغريق القدامى يعرضون فيه رواياتهم. ويرجع تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ويسع 15,000 مشاهد. وقد أدخلت عليه تعديلات عديدة على مر الزمن. ويوجد في الجهة الجنوبية الغريية من الأكروبولس مسرح أوديون، المرمم، وسعته أكثر من 5,000 مشاهد. ولايزال هذا المسرح مستعملاً حتى اليوم؛ ففيه تعرض العروض المسرحية والموسيقية. ويرجع الفضل في بنائه إلى هيرودس أتيكوس أحد أثرياء أثينا، حيث أتم بناءه عام 160م.

وتقع أجورا وهي سوق أثينا القديمة إلى الشمال الغربي من الأكروبولس، وقد كشف علماء الآثار عن الكثير من مباني أجورا العامة. ويوجد على طول ضلعه الشرقي صف طويل من الأعمدة المرمرية المسقوفة التي تحوي بين جنباتها العديد من الحوانيت، وتعرف باسم استوا أوف أطالس. وقد تم بناؤها بين عامي 159 و138ق.م، وأعيد بناؤها في الخمسينيات من القرن العشرين. وهي اليوم متحف، ومقر للحفريات الجارية في منطقة أجورا. انظر: الإغريق.

أما معبد هفاستس ـ ويسمى أيضًا هفاستيوم، أو تيسيوم ـ فيقع خارج منطقة أجورا، وقد تم بناؤه عام 449ق.م ويعد من أكثر المعابد المعتنى بها في اليونان اليوم.

وعلى بعد نحو 370م شرقي مسرح ديونيسوس، يوجد معبد زيوس الأوليمبي ، وهو أكبر المعابد المبنية في اليونان. وقد بدأ بناءه الطاغية الإغريقي بيزيستراتوس عام 530ق.م، ولم يكتمل بناؤه إلا في عهد الإمبراطور هادريان الذي حكم في الفترة ما بين 117 و 138م. وقد احتوى المبنى على 104 أعمدة، ارتفاع كل منها 17م، ولكن لم يبق منها الآن إلا 16 عمودًا فقط.




نبذة تاريخية

لايعرف المؤرخون الكثير عن تاريخ أثينا قبل عام 1900ق.م، العام الذي احتل فيه الإغريق أتيكا. وقد غزا قوم آخرون أثينا بعد الإغريق، واستوطنوها ولم يطردوا منها الإغريق بل سمحوا لهم بالبقاء فيها.

كانت أثينا من أوائل ما أطلق عليه الدول ـ المدن . وكانت هذه الدول ـ المدن تشمل المدينة والمنطقة المحيطة بها، وكان لأثينا ملك، شأنها في ذلك شأن الدول الإغريقية الأخرى. وتقول الروايات التقليدية إن أول ملك هو سسروبس، وأن حكم الملوك لتلك الدول الإغريقية استمر حتى عام 682ق.م، حيث تولى آنذاك حكمها موظفون منتخبون يسمى أحدهم الأرخون، ينتخبهم كل سكان المدينة الذكور البالغون ولمدة عام واحد، وكانوا ثلاثة في البداية ثم زيد عددهم إلى تسعة فيما بعد.

كان الأرخون ينضم بعد انتهاء خدمته، إلى مجلس مكون من سياسيين كبار في السن، يُطلق عليه اسم أريوباغوس وهو اسم المكان الذي كانوا يجتمعون فيه ليحكموا في قضايا القتل، وليعدوا الأمور السياسية التي سيجري عليها التصويت في مجلس المدينة العام.

ازداد عدد سكان أثينا، ونتج عن ذلك عدة أمور، أهمها أن مزارعي أتيكا عجزوا عن تزويدهم بالطعام، كما أن طبقة الأرستقراطيين الحاكمة أخذت في امتلاك أراضي المزارع الجيدة تدريجيًا، وهذا الأمر أضعف طبقة الزراع الصغار، فبدأوا يستدينون على أمل أن يُوفوا دينهم من محصول العام التالي. ولم يكن باستطاعة بعضهم الإيفاء بالدَّيْن، فبدأوا يفقدون أراضيهم ويصيرون عبيدًا لدائنيهم، وظهرت في أثينا طبقتان، الطبقة الدنيا المعدمة وطبقة الأثرياء. وزاد التنازع بينهما، وبدأ شبح الحرب الأهلية بينهما يلوح في الأفق.

أُدخل الأرخون سولون بعض الإصلاحات المهمة في مجتمع أثينا عام 594ق.م، فبدأ بإلغاء الديون محررًا بذلك من صاروا عبيدًا، ولكنه لم يستطع إرجاع أراضيهم لهم. كما قام بعد ذلك، بوضع بعض الأسس لتولي المناصب العامة، فجعل الثروة أساسًا لذلك التولي، فأصبح لكل مواطن مؤهل الحق في أن يصبح موظفًا عامًا دون أن يكون من أحد أُسر الحكم التقليدية. وقام سولون أيضًا بإعادة تنظيم قوانين أثينا، وأشاعها بين الناس.

ولكن هذه الإصلاحات لم تحل مشكلات الفقر في أتيكا. وفي عام 560ق.م قام بيزيستراتوس ـ وهو أحد قادة الجيش المحترمين ـ بالاستيلاء على السلطة في أثينا، وحكمها حكم الطغاة. واستبعد من السلطة مرتين لكنه حكم بحزم منذ عام 545ق.م، وحتى موته عام 527ق.م. وقد ساندته الطبقات الدنيا، فكان يجازي مسانديه بإعطائهم الأراضي التي كان قد صادرها من معارضيه الأثرياء. وهكذا استمر في إكمال ما بدأه من تقليص قوة الحكام التقليديين. ولم يلغ بيزيستراتوس الحكومة والأرخون بل سيطر عليها تمامًا. وكسب لنفسه ولاءً شعبيًا. وبعد ذلك قام بعدة إصلاحات في المدينة، من ذلك شروعه في بناء المراحل الأولى من معبد زيوس، ولكنه مات وخلفه ابنه هبياس، وحكم أثينا حكم الطغاة. انظر: الاستبداد.


الديمقراطية. أزيح هبياس عن الحكم عام 510ق.م، وخلفه على حكمها أحد أفراد الأسر البارزة، وهو كليسثينيز الذي تمكن عام 508ق.م من إقناع أهل أثينا بقبول الدستور الذي اقترحه عليهم، والذي جعل من أثينا دولة ديمقراطية. وبالرغم من أن هذا الدستور بقي غير مكتوب إلا أنه ظل معمولاً به مئات السنين، وقد احتفظ بمجمل إصلاحات الأرخون، وأضاف إليها بعض الأمور التي استجدت.

كانت المواطنة حتى عهد كليسثينيز قائمة على رباط الدم والنسب إلى القبائل الأيونية الأربع التي استوطنت أتيكا، وكان على الرجل أن ينتمي إلى إخُوة ليصير مواطنًا. ولكن نظام كليسثينيز جعل من كل الذكور البالغين من العمر ثمانية عشر عامًا، مواطنين، وأعضاء في القرية أو المدينة التي يعيشون فيها. وقد أصبحت العضوية في القرية أو المدينة وراثية فيما بعد، حيث أصبح للرجل الحق في أن يكون عضوًا في قرية أو مدينة لا يعيش فيها.

قسم كليسثينيز القرى والمدن إلى ثلاثين مجموعة صغيرة، عُرفت باسم ترتيس، وقسمت هذه بدورها إلى عشر قبائل جديدة، وتتكون كل قبيلة من هذه القبائل من ثلاث من المجموعات التابعة لمناطق مختلفة في أثينا. ونتج عن هذا التقسيم أن أصبح أعضاء كل قبيلة ينتمون إلى عوائل مختلفة ومناطق مختلفة من أثينا.

كانت أهم إصلاحات كليسثينيز هي إنشاء مجلس مكون من 500 عضو، يختارون سنويًا عن طريق الاقتراع. ومهمة هذا المجلس هي تحضير الأجهزة لاجتماع الجمعية العمومية في أثينا. وقد مكن هذا النظام الجديد مواطني أثينا من ذوي الكفاءة من المشاركة في حكومة مدينتهم، إذ إن عضوية مجلس المدينة كانت مفتوحة للمواطنين، ما عدا الطبقات المعدمة، وكذلك كان الحال بالنسبة للوظائف العامة بالدولة. ورغم كل هذه الإصلاحات فإن حق المواطنة لم يكن مكفولاً للنساء، فقد كُنَّ محرومات من حق الاقتراع، ومن أن يصرن موظفات في الدولة. وبمرور الزمن أصبح اختيار كل الموظفين -ماعدا قادة الجيش- يتم سنويًا عن طريق الاقتراع، وكان اختيار قادة الجيش يتم عن طريق الانتخاب. والموظفون الذين يرتكبون مخالفات، ولا ينالون الرضا العام، يمكن نفيهم لمدة عشر سنوات، وعن طريق تصويت السكان.


العصر الذهبي. أدت أثينا دورًا بارزًا في الانتصارات التي أحرزها الإغريق على الجيوش الفارسية في الحروب التي دارت بينهما في الفترتين (490ق.م - و 480 إلى 479ق.م). وصارت أثينا بفضل هذه الانتصارات، قائدة لحلف يضم مجموعة من الدول الإغريقية بغرض شن الحرب على دولة فارس، وقد تحول هذا الحلف ليصير فيما بعد إمبراطورية أثينا. وكانت الفترة من عام 477 إلى عام 431ق.م من أنصع فترات التاريخ في أثينا، وهي ما عرفت بفترة العصر الذهبي، وفيها أصبحت أثينا مركزًا أدبيًا وفنيًا مرموقًا في كل بلاد اليونان.


الحرب والتدهور. أدخل بيركليس ـ قائد أثينا في عصرها الذهبي ـ المدينة في الحرب البيلوبونيزية، ضد مدينة أسبرطة وحلفائها، وذلك عام 431ق.م، واستمرت هذه الحرب التي انتهت بانتصار أسبرطة حتى عام 404ق.م فأصبحت أسبرطة من بعدها أقوى دولة إغريقية، واستمرت كذلك حتى تمت هزيمتها عام 371ق.م من قبل طيبة، أما أثينا فقد سقطت ـ مثل باقي اليونان ـ تحت سيطرة فيليب والإسكندر الأكبر المقدوني.

لم تتمكن أثينا من استعادة قيادتها السياسية مرةً ثانية، ولكنها ظلت مركز اليونان الثقافي، واستمرت قبلة الناس الثقافية أيام الحكم المقدوني، وفيما بعد أيام الحكم الروماني، وكان يأتيها أبناء الأثرياء من كل مكان طلبًا للعلم، ولكنها فقدت هذه المكانة بحلول عام 529م، وذلك عندما أغلق الإمبراطور جستنيان مدارس الفلسفة فيها.


العصور الوسطى. كانت أثينا في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين بلدًا فقيرا مهملاً. وقد حكمها في هذه الفترة حكام بيزنطيون وإيطاليون عدة، واستطاع العثمانيون في القرن الخامس عشر بسط حكمهم عليها، ولكنهم انشغلوا عن العناية بها، فلم يعيدوا بناءها، أو يصلحوا مبانيها المتصدعة.

صارت أثينا عام 1834م ـ في أعقاب حرب الاستقلال اليونانية ـ عاصمةً لمملكة اليونان الجديدة، وبدأ أهلها يعيدون لها جمالها القديم.


التاريخ الحديث. كانت أثينا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) مدينة مفتوحة، بمعنى أن اليونانيين قبلوا ألا تكون محصنة، وألا يدافعوا عنها. وكان غرضهم من هذا هو حماية مبانيها التاريخية وآثارها الفنية من القصف والدمار. ورغمًا عن ذلك لم تسلم أثينا من الأذى، فقد احتلها الألمان عام 1941م، ولكنهم أخلوها عام 1944م.

بدأ علماء الآثار بعد نهاية الحرب إعادة بناء مباني المدينة القديمة وترميمها. وقد بُدئ منذ عام 1960م في تشييد مبان جديدة في أماكن المباني القديمة التي كانت قائمة في أثينا منذ عهد ملكها أوتو الأول. وتقع مسؤولية إدارة شؤون المدينة على عاتق عمدتها ومجلسها.

تعليقات