أثر القرآن الكريم في الشعر الأندلسي
يأتي كتاب (أثر القرآن الكريم في الشعر الاندلسي.. منذ الفتح وحتى سقوط الخلافة ـ 92 ـ 422ه) لمؤلفه الدكتور محمد شهاب العاني.. والصادر مؤخرا عن دار الشئون الثقافية العامة ببغداد.. ليسد ثغرة في المكتبة العربية والادب العربي، في الوقت الذي سبقته فيه عدة دراسات اهتمت بأثر القرآن الكريم في الشعر العربي، منها دراسة الدكتورة ابتسام مرهون الصفار (اثر القرآن في الادب العربي في القرن الاول الهجري).. ودراسة الدكتور شلتاغ عبود شراد (أثر القرآن في الشعر العربي الحديث).
ويبدو جليا ان إعداد هذا الكتاب قد تطلب قراءات كثيرة متمعنة في آيات الله البينات، من حيث ألفاظها ومعانيها وفواصلها وقصصها واسلوبها، لفهم ما يمكن فهمه، ثم الانتقال الى تلمس آثار ذلك كله في الشعر الاندلسي، لمعرفة مدى هذا المؤثر فيه، وكيفية تفاعل الشعراء الاندلسيين معه.. فقد كان الادب الاندلسي يعيش في الثقافة القرآنية، فكان من الطبيعي تقصي أثر القرآن الكريم في أبيات هذا الشعر وملاحقة هذا الاثر في الاغراض الشعرية كلها: ألفاظه وتعابيره ومعانيه وصوره في البناء الشعري.. منذ ان وطئت اقدام العرب المسلمين الفاتحين هذه البلاد حتى سقوط الخلافة سنة 422هـ .. وبداية أفول نجم هذه الدولة القوية، التي قدمت صورة مشرقة من صور الحضارة العربية الاسلامية في الجانب الغربي للدولة العربية الاسلامية الكبيرة.
فقد كانت الالفاظ القرآنية رافداً من الروافد اللغوية، يستقي منه الشعراء الاندلسيون ماكان يحلو لهم من جواهر الالفاظ القرآنية بمعانيها وايحاءاتها.. الامر الذي كان يعكس إعجابهم واهتمامهم بلغة القرآن الكريم وحفظهم إياها حفظاً كان يملأ اذهانهم ومخيلاتهم.. فيجري ذلك على ألسنتهم في خلقهم الشعري.
كشفت الدراسة في موضوع الفاصلة القرآنية عن جانب من جوانب تأثير القرآن في الشعر الاندلسي، ظهر في القوافي الشعرية.. فجاء تواليها كثرة وقلة، مسايرة لكثرة حروف الفواصل القرآنية وقلتها.
في حين جاء تأثير القصص القرآني في الشعر الاندلسي إشارة او تلميحاً او تصريحاً، كي يعكس ـ كما يؤكد المؤلف ـ ضرباً من الاختزال الرائع للمعاني وتكثيفها، يغني الشاعر عن التفصيل والشرح.. وهذه الظاهرة تتماشى مع طبيعة الشعر الذي يحب الرمز والاشارة والتلميح اكثر من التصريح.
اما في موضوع الصورة فقد بيّن الكتاب ان الشعراء الاندلسيين قد اعجبوا بها، إذ تبين ذلك كله بأشكال مختلفة، تدل على تفاعل الشاعر الاندلسي مع الصورة القرآنية تفاعلاً ذكياً واعياً، ظهر في انواع الصورة المفردة والاصلية والمنقولة والايحائية والمحورة.. كما وظف الشاعر المثل القرآني في شعره، وخاصة الامثال التي تنسجم مع طبيعة الحياة الاندلسية وثقافة الشاعر القرآنية.
كما تناول الكتاب اثر الاسلوب القرآني في الشعر الاندلسي.. فتوزع هذا التأثير بين اسلوب الخبر واسلوب الانشاء.. ففي اسلوب الخبر، تعلّق الشعراء بهذا الاسلوب من اجل دقة التعبير، وخاصة في موضوعات المديح والشكوى والاخوانيات والزهد.. اما في اسلوب الانشاء بقسميه الطلبي وغير الطلبي، فقد تأثر الشعراء تأثرا واضحا بموضوعات الامر والاستفهام.. حيث تصرف الشعراء بالجملة الامرية القرآنية، من حيث التقديم والتأخير والصياغة، كما استعان الشاعر بأسلوب الامر في موضوعات مختلفة وبخاصة في موضوعات الوعظ والارشاد والدعوة الى الفضيلة.
وتناول الكتاب موضوع التأثر بالمعاني القرآنية، حيث اشار الى انه قد ظهر في جوانب مختلفة في اللغة واللفظ والمعنى.. ولاسيما في الموضوعات الجادة.. الامر الذي يدل على قوة تثقف الشاعر الاندلسي بالثقافة الدينية، وفي اولها المادة القرآنية وعناصرها المختلفة، ومنها اللغة والالفاظ والمعاني، وما كان يقترن بها، ويشع منها رموز وايحاءات كانت لغة الشعر الاندلسي تخزن كثيرا منها وتترصع بها وتتحلى.
ويشير الكتاب الى ان تأثر الشاعر الاندلسي بالقرآن الكريم كان قد ظهر منذ وقت مبكر، واستمر هذا التأثر في العصور اللاحقة.. ويلاحظ ان التأثر بالقرآن الكريم كان واضحاً عند اكثر شعراء الاندلس ولكن بدرجات متفاوتة.. واكثر من ظهر اثر القرآن في شعره ودل على ثقافته القرآنية العالية هم كبار الشعراء بخاصة وهم على التوالي: ابن دراج، ابن زيدون، ابن هاني، ابو اسحاق الالبيري، ابن عبد ربه، ابن حزم، ابن شهيد، يوسف بن هارون الرمادي.. وغيرهم من الشعراء المشهورين.. وكان ذلك في موضوعات الشعر المختلفة، فلقد عاش القرآن الكريم مع الشاعر الاندلسي في فكره ووجدانه وخياله، وبكل تفاصيل حياته، فكان المنبع الثر الذي أمد الشاعر بكثير من المعاني والصور ومقومات لغته الشعرية.
وقد لا نكون مغالين اذا قلنا ان الدراسة استطاعت ان تحدد طبيعة الاثر القرآني في الشعر الاندلسي وتكشف عن حجم هذا التأثير وجوانبه وانواعه.. وهو تأثر ليس هينا ولا بسيطاً ولا قليلاً.. وهو في الوقت نفسه ذو دلالة قوية على اهمية القرآن الكريم الكبيرة في احكام وحدة العربي وشد عراه في ارجاء الوطن العربي والعالم الاسلامي الواسع.
لقد اتبع المؤلف في كتابه هذا منهجاً استقرائياً وصفياً واحيانا تحليلياً يعتمد النصوص الشعرية في دواوين الشعراء والمجاميع الشعرية الاخرى، محاولة منه في استشفاف العناصر القرآنية كالمعاني والالفاظ والصور وكيفية توظيفها وكذلك اقتباسات الشعراء من الآيات المجيدة.. ولبيان ما كان للقرآن من تأثير وآثار في تلك النصوص.. ولم تكن مهمة رصد الاشعار وادامة النظر فيها سهلة.. فقد تطلب من المؤلف قراءة كل ما جاء في الدواوين والمصادر بحثاً عن مقطوعة او بيت او مفردة يستدل بها على الاثر القرآني..
من هنا فرضت طبيعة الموضوع تقسيم الدراسة الى بابين.. كان الاول في البنية الشكلية واشتمل على ثلاثة فصول: جاء الاول كي يبين اثر الاقتباس القرآني في الشعر الاندلسي حيث تناول المؤلف فيه انواع الاقتباس النصي والاشاري.. ثم الفصل الثاني: أثر الالفاظ القرآنية في الشعر الاندلسي، جرى فيه تتبع الالفاظ التي استعان بها الشاعر الاندلسي.
ثم الفصل الثالث وهو أثر الفاصلة القرآنية في الشعر الاندلسي.. حيث تناول المؤلف فيه موضوع الفاصلة واهميتها في القرآن الكريم واختلافها عن السجع وتأثر الشاعر بتلك الفواصل في قوافي الشعر، مبيناً اهم الحروف واكثرها دورانا في الشعر.
أما الباب الثاني فقد خصص لموضوع البنية المعنوية واشتمل على اربعة فصول: الفصل الاول في تأثير القصص القرآني في الشعر الاندلسي سواء جاء إشارة او تلميحاً او تصريحاً، وبيان أكثر القصص تأثيرا.. وجاء الفصل الثاني في موضوع أثر الصورة القرآنية في هذا الشعر.. ثم الفصل الثالث في موضوع آثار اسلوبية قرآنية في الشعر الاندلسي.. واخيراً دار الفصل الرابع على المعاني القرآنية التي أثرت في الشعر الاندلسي لبيان قوة تثقف الشاعر الاندلسي بتلك المعاني والاستعانة بها في الموضوعات المختلفة
المرجع :
تأليف: د. محمد شهاب العاني, الناشر, دار الشئون الثقافية العامة بغداد, 2002
يأتي كتاب (أثر القرآن الكريم في الشعر الاندلسي.. منذ الفتح وحتى سقوط الخلافة ـ 92 ـ 422ه) لمؤلفه الدكتور محمد شهاب العاني.. والصادر مؤخرا عن دار الشئون الثقافية العامة ببغداد.. ليسد ثغرة في المكتبة العربية والادب العربي، في الوقت الذي سبقته فيه عدة دراسات اهتمت بأثر القرآن الكريم في الشعر العربي، منها دراسة الدكتورة ابتسام مرهون الصفار (اثر القرآن في الادب العربي في القرن الاول الهجري).. ودراسة الدكتور شلتاغ عبود شراد (أثر القرآن في الشعر العربي الحديث).
ويبدو جليا ان إعداد هذا الكتاب قد تطلب قراءات كثيرة متمعنة في آيات الله البينات، من حيث ألفاظها ومعانيها وفواصلها وقصصها واسلوبها، لفهم ما يمكن فهمه، ثم الانتقال الى تلمس آثار ذلك كله في الشعر الاندلسي، لمعرفة مدى هذا المؤثر فيه، وكيفية تفاعل الشعراء الاندلسيين معه.. فقد كان الادب الاندلسي يعيش في الثقافة القرآنية، فكان من الطبيعي تقصي أثر القرآن الكريم في أبيات هذا الشعر وملاحقة هذا الاثر في الاغراض الشعرية كلها: ألفاظه وتعابيره ومعانيه وصوره في البناء الشعري.. منذ ان وطئت اقدام العرب المسلمين الفاتحين هذه البلاد حتى سقوط الخلافة سنة 422هـ .. وبداية أفول نجم هذه الدولة القوية، التي قدمت صورة مشرقة من صور الحضارة العربية الاسلامية في الجانب الغربي للدولة العربية الاسلامية الكبيرة.
فقد كانت الالفاظ القرآنية رافداً من الروافد اللغوية، يستقي منه الشعراء الاندلسيون ماكان يحلو لهم من جواهر الالفاظ القرآنية بمعانيها وايحاءاتها.. الامر الذي كان يعكس إعجابهم واهتمامهم بلغة القرآن الكريم وحفظهم إياها حفظاً كان يملأ اذهانهم ومخيلاتهم.. فيجري ذلك على ألسنتهم في خلقهم الشعري.
كشفت الدراسة في موضوع الفاصلة القرآنية عن جانب من جوانب تأثير القرآن في الشعر الاندلسي، ظهر في القوافي الشعرية.. فجاء تواليها كثرة وقلة، مسايرة لكثرة حروف الفواصل القرآنية وقلتها.
في حين جاء تأثير القصص القرآني في الشعر الاندلسي إشارة او تلميحاً او تصريحاً، كي يعكس ـ كما يؤكد المؤلف ـ ضرباً من الاختزال الرائع للمعاني وتكثيفها، يغني الشاعر عن التفصيل والشرح.. وهذه الظاهرة تتماشى مع طبيعة الشعر الذي يحب الرمز والاشارة والتلميح اكثر من التصريح.
اما في موضوع الصورة فقد بيّن الكتاب ان الشعراء الاندلسيين قد اعجبوا بها، إذ تبين ذلك كله بأشكال مختلفة، تدل على تفاعل الشاعر الاندلسي مع الصورة القرآنية تفاعلاً ذكياً واعياً، ظهر في انواع الصورة المفردة والاصلية والمنقولة والايحائية والمحورة.. كما وظف الشاعر المثل القرآني في شعره، وخاصة الامثال التي تنسجم مع طبيعة الحياة الاندلسية وثقافة الشاعر القرآنية.
كما تناول الكتاب اثر الاسلوب القرآني في الشعر الاندلسي.. فتوزع هذا التأثير بين اسلوب الخبر واسلوب الانشاء.. ففي اسلوب الخبر، تعلّق الشعراء بهذا الاسلوب من اجل دقة التعبير، وخاصة في موضوعات المديح والشكوى والاخوانيات والزهد.. اما في اسلوب الانشاء بقسميه الطلبي وغير الطلبي، فقد تأثر الشعراء تأثرا واضحا بموضوعات الامر والاستفهام.. حيث تصرف الشعراء بالجملة الامرية القرآنية، من حيث التقديم والتأخير والصياغة، كما استعان الشاعر بأسلوب الامر في موضوعات مختلفة وبخاصة في موضوعات الوعظ والارشاد والدعوة الى الفضيلة.
وتناول الكتاب موضوع التأثر بالمعاني القرآنية، حيث اشار الى انه قد ظهر في جوانب مختلفة في اللغة واللفظ والمعنى.. ولاسيما في الموضوعات الجادة.. الامر الذي يدل على قوة تثقف الشاعر الاندلسي بالثقافة الدينية، وفي اولها المادة القرآنية وعناصرها المختلفة، ومنها اللغة والالفاظ والمعاني، وما كان يقترن بها، ويشع منها رموز وايحاءات كانت لغة الشعر الاندلسي تخزن كثيرا منها وتترصع بها وتتحلى.
ويشير الكتاب الى ان تأثر الشاعر الاندلسي بالقرآن الكريم كان قد ظهر منذ وقت مبكر، واستمر هذا التأثر في العصور اللاحقة.. ويلاحظ ان التأثر بالقرآن الكريم كان واضحاً عند اكثر شعراء الاندلس ولكن بدرجات متفاوتة.. واكثر من ظهر اثر القرآن في شعره ودل على ثقافته القرآنية العالية هم كبار الشعراء بخاصة وهم على التوالي: ابن دراج، ابن زيدون، ابن هاني، ابو اسحاق الالبيري، ابن عبد ربه، ابن حزم، ابن شهيد، يوسف بن هارون الرمادي.. وغيرهم من الشعراء المشهورين.. وكان ذلك في موضوعات الشعر المختلفة، فلقد عاش القرآن الكريم مع الشاعر الاندلسي في فكره ووجدانه وخياله، وبكل تفاصيل حياته، فكان المنبع الثر الذي أمد الشاعر بكثير من المعاني والصور ومقومات لغته الشعرية.
وقد لا نكون مغالين اذا قلنا ان الدراسة استطاعت ان تحدد طبيعة الاثر القرآني في الشعر الاندلسي وتكشف عن حجم هذا التأثير وجوانبه وانواعه.. وهو تأثر ليس هينا ولا بسيطاً ولا قليلاً.. وهو في الوقت نفسه ذو دلالة قوية على اهمية القرآن الكريم الكبيرة في احكام وحدة العربي وشد عراه في ارجاء الوطن العربي والعالم الاسلامي الواسع.
لقد اتبع المؤلف في كتابه هذا منهجاً استقرائياً وصفياً واحيانا تحليلياً يعتمد النصوص الشعرية في دواوين الشعراء والمجاميع الشعرية الاخرى، محاولة منه في استشفاف العناصر القرآنية كالمعاني والالفاظ والصور وكيفية توظيفها وكذلك اقتباسات الشعراء من الآيات المجيدة.. ولبيان ما كان للقرآن من تأثير وآثار في تلك النصوص.. ولم تكن مهمة رصد الاشعار وادامة النظر فيها سهلة.. فقد تطلب من المؤلف قراءة كل ما جاء في الدواوين والمصادر بحثاً عن مقطوعة او بيت او مفردة يستدل بها على الاثر القرآني..
من هنا فرضت طبيعة الموضوع تقسيم الدراسة الى بابين.. كان الاول في البنية الشكلية واشتمل على ثلاثة فصول: جاء الاول كي يبين اثر الاقتباس القرآني في الشعر الاندلسي حيث تناول المؤلف فيه انواع الاقتباس النصي والاشاري.. ثم الفصل الثاني: أثر الالفاظ القرآنية في الشعر الاندلسي، جرى فيه تتبع الالفاظ التي استعان بها الشاعر الاندلسي.
ثم الفصل الثالث وهو أثر الفاصلة القرآنية في الشعر الاندلسي.. حيث تناول المؤلف فيه موضوع الفاصلة واهميتها في القرآن الكريم واختلافها عن السجع وتأثر الشاعر بتلك الفواصل في قوافي الشعر، مبيناً اهم الحروف واكثرها دورانا في الشعر.
أما الباب الثاني فقد خصص لموضوع البنية المعنوية واشتمل على اربعة فصول: الفصل الاول في تأثير القصص القرآني في الشعر الاندلسي سواء جاء إشارة او تلميحاً او تصريحاً، وبيان أكثر القصص تأثيرا.. وجاء الفصل الثاني في موضوع أثر الصورة القرآنية في هذا الشعر.. ثم الفصل الثالث في موضوع آثار اسلوبية قرآنية في الشعر الاندلسي.. واخيراً دار الفصل الرابع على المعاني القرآنية التي أثرت في الشعر الاندلسي لبيان قوة تثقف الشاعر الاندلسي بتلك المعاني والاستعانة بها في الموضوعات المختلفة
المرجع :
تأليف: د. محمد شهاب العاني, الناشر, دار الشئون الثقافية العامة بغداد, 2002
تعليقات
إرسال تعليق